لا شك أن تاريخنا كبير وحافل علي مر العصور من أبناء مصر البارزين والعلامات علي كافة المستويات خاصة الاقتصادية، واعتقد أننا لابد أن نعيد صياغة تاريخنا في المجالات المختلفة لكي تتعلم منها الأجيال الحالية والقادمة، ويكون هناك تواصل تاريخي في ظل التقدم الرهيب في الأسالىب التكنولوجية العصرية والتي تتغير بشكل سريع وفي بعض الأحيان بصورة مفاجئة.
ولذلك سنتناول بعض النماذج، ونلقي عليها الضوء أملاً في إعطاء الأجيال المصرية معلومة ولو بسيطة عن بعض الشخصيات المؤثرة اقتصاديًا كنماذج ناجحة يجب أن نستفيد منها جميعا، ومن ضمنها أحمد عبود باشا وهو أحد أكبر رجال الاقتصاد في الفترة من بداية العشرينات حتي منتصف الستينات من القرن الماضي.
ولد أحمد عبود باشا عام 1889م في القاهرة وبعد اتمامه الدراسة في مدرسة فاروق الأول سافر إلى اسكتلندا حيث درس الهندسة في جامعة جلاسكو.
فور تخرجه بدأ أحمد عبود العمل في القطاع الهندسي، ونجح في كافة الأعمال التي أوكلت إليه، ولعل من أبرزها مهمته الفعالة في إنشاء سكة حديد العراق وسوريا وفلسطين؛ وذلك فور انتهاء الحرب العالمية الأولي، مما جعل الدولة العثمانية تمنحه رتبة البكوية من الفئة الممتازة ، ثم قام بتركيز أعماله في مصر، وذلك بقيامه بشراء غالبية أسهم شركة البواخر الخديوية التي كان يمتلكها حينئذ الإنجليز، وكانت من أهم شركات الملاحة في مصر، ومنها بدأ المصريين تعلم كيفية أنشأء السفن ، وقد نجح في إنشاء أسطول سفن للنقل من مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وافتتح أول خط ملاحي في تاريخ البحرية المصرية بباخرتين من أفخم وأكبر البواخر وهما الخديوي إسماعيل ومحمد علي ،الأمر الذي بمقتضاه منحه الملك فؤاد رتبة الباشوية عام 1930.
ومن خلال هذه النتائج، أصبح أحمد باشا عبود المصري الوحيد الذي عين في مجلس إدارة قناة السويس، ولم تقتصر رحلة أحمد عبود علي صناعة السفن فقط، بل امتدت إلى إنشائه أكبر مصانع السكر والصناعات الكيميائية بصعيد مصر في أرمنت التي عشقها، وأنشأ بها أكبر مصنع للسكر في العالم العربي والشرق الأوسط ، وأنشأ بها قصره المعروف لأهالى أرمنت بـ “سراي عبود” ، وأنشأ أكبر مسجد في أرمنت.
وبعد ذلك قام أحمد عبود باشا باستحواذه علي غالبية أسهم شركة الفنادق المصرية، وأسهم شركات الأسمدة في عتاقة، وأنشأ شركة خطوط البريد الفرعونية التي تعد أول شركة بريد قطاع خاص.
كما برع في تجارة القطن، وتصدير القطن إلى كافة البلاد ،أي ان أحمد عبود باشا كان رجل تجارة ، صناعة ، زراعة.
وكان أحمد عبود باشا له قوة اقتصادية في مصر، وبمشاركة فرغلي باشا الملقب بملك القطن؛ أجبرا طلعت حرب باشا مؤسس بنك مصر علي الاستقالة من رئاسة البنك لخلافهما معه، وذلك في عام 1939 ، حيث قاما يوميًا بسحب ودائعهما من البنك، بمعدل نصف مليون جنيه يوميًا لمدة ستة أيام، مما جعل طلعت حرب باشا يقدم استقالته من رئاسة البنك، خوفًا من إفلاس البنك، وفي عام 1950 أصبح أحمد عبود باشا عضوًا بمجلس إدارة بنك مصر؛ لكونه حائزًا علي أكبر أسهم بالبنك.
وشارك أحمد عبود باشا في العمل العام، حيث تم تزكيته رئيسًا للنادي الأهلي عدة دورات، من عام 1946 حتي عام 1961 ، وهي الفترة الذهبية للنادي الأهلي، حيث فاز الأهلي بالدوري العام تسعة مرات، وقام أحمد عبود بإنشاء حمام السباحة علي نفقته الخاصة، وتكفل بسداد كل مكافئات الفرق الرياضية من ماله الخاص، دون أخذ أية إعانات من الدولة، بل يقال أنه كان يستقطع نسبة من مبيعات شركة السكر إلى خزينة النادي الأهلي.
وقد شيد أحمد عبود باشا أشهر مباني القاهرة بشارع شريف، وهي عمارة الإيموبيليا عام 1939 من 13 طابقاً.
وحيث أن لكل بداية نهاية، فقد كانت بداية النهاية لأحمد عبود باشا في منتصف أغسطس عام 1955 ، حيث تم فرض الحراسة علي شركة السكر، وتم فرض الحراسة علي قصره بالزمالك، الذي أصبح فيما بعد كلية الفنون الجميلة.
في عام 1961 هاجر أحمد عبود إلى إيطاليا بعزيمة وإصرار علي استكمال أعماله، حيث حقق العديد من النجاحات في أوروبا ، وجميع سفنه التجارية كانت تحت مظلته.
و توفي في عام 1964 ، لكن ذكراه الطيبة لازالت في عقول كل الاقتصاديين، ولذلك سأنهي مقالى عنه مستعيرًا بمقولته الشهيرة من مقاله كيف تصبح مليونيرا ؟ الذي تم نشره بدار الهلال “لا ليس النجاح من الأسرار ولكنه وقبل كل شئ توفيق من الله، فقد تجتمع في شخص كل مؤهلات النجاح من شهادات، وجاه، وشخصية قوية لكن سوء الحظ يلازمه فلا ينجح في أي عمل يقوم به، بينما ينجح من هو أقل منه في الكفاءة، والجاه، وأضعف منه شخصية وهذه مشيئة الله”و عند وفاة احمد عبود باشا كان يعد من اكثر عشرة افراد ثروه فى العالم.
إلى اللقاء مع شخصية أخري آثرت الحياة الاقتصادية في مصرنا الحبيبة.
عمرو خضر عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة